حكاية عبير مع المدرسة الوطنية العليا للإعلام الآلي - الجزء 3

السنة الأولى من الطور الثاني، لا يختلف اثنان عن كونها السنة الأصعب في كل مسارنا الدراسي، انتقلنا من دراسة الرياضيات البحتة إلى دراسة مبادئ الإعلام الآلي الحقيقية، و كشفت المدرسة عن وجهها الحقيقي و كشرت عن أنيابها، و لكن هذا لم يمنعني من أن أواصل العمل مع النوادي، بل إنه  شجعني للمشاركة في المسابقات، فقد كنت أعلم أن المدرسة لن تمدني بكل المعلومات، بل إنني يجب ان أكون نفسي بنفسي من خلال هاته التحديات و المسابقات، و أولها كان مسابقة التطبيقات النقالة BeMyApp Maghreb، رفقة ستة طلبة آخرين، انتقلنا من الجزائر العاصمة إلى وهران و عشنا مغامرة رائعة معا مدة ثلاثة أيام نسينا فيها طعم النوم. أما بالنسبة لي، فقد تعلمت من خلال هاته المنافسة، بعض أسس المقاولاتية و انشاء الشركات، و التقيت بأصحاب أفكار رائعة و مؤطرين متميزين، و ادركت أن هناك حياة خارج أسوار هاته المدرسة. شاركت كذلك رفقة مجموعة كبيرة من طلبة المدرسة (التي سرعان ما أصبحت بضع أشخاص) في برنامج إنجاز الجزائر برنامج الشركات، قمنا من خلاله بانشاء شركة EducArt التي تبيع منتوج مجهري، و هو عبارة عن مجهر يظهر الخلايا باستعمال الهاتف الذكي، قمنا بصناعة المنتج و جمع الاستثمارات و من ثم بيعه و اقتسام الفائدة فيما بيننا. كانت تجربة رائعة حقا، ساعدتني في مشاريعي القادمة. إضافة إلى ذلك شاركت في تنظيم بعض التظاهرات مع مختلف النوادي.
أما على صعيد الدراسة، فقد اندمجنا في عالم المعلوماتية أخيرا، و لكن لم يكن الأمر بتلك الروعة أبدا، كانت هناك بضع مواد – دون ذكرها – لا تزال تدرس بنفس الطريقة منذ الأزل، رغم أن الاعلام الآلي في تطور مستمر.... أما الامتحانات فحدث و لا حرج، وصلنا إلى تلك المرحلة التي تدخل فيها الامتحان و تظن ان الأستاذ لا يحاول تقييم مستواك، بل يتحداك أو ربما يستمتع برؤيتك محطما جراء تلك العلامة الكارثية، تحس في ذلك العام أنهم يتلاعبون بأعصابك، أو ربما تعيش ذلك الضغط الذي يحطمك، يكسر آخر ما تبقى من كبرياءك، تحس و كأنك في حرب مع الجميع، نفسك، الضغط، الوقت، الامتحانات، الدروس، الأساتذة ... فإن اجتزت هذه السنة، تكون قد قطعت نصف الطريق بل معظمه و لم يبق لك الكثير.....
رغم ان هذه السنة هي الجحيم لكل الطلبة، إلا أنها لم تكن بذلك السوء بالنسبة لي، فعلى سبيل التغيير قررت ان أعمل على مشروع السداسي الثاني تحت إمرة قائد بدل ان أكونه أنا، و كنا فريقا مكونا من ثلاث طالبات و ثلاث طلاب تحت إمرة طالب منا، و قد شكلت الفرق في ذلك العام عن طريق القرعة، و الغريب في الأمر أن فريقنا كان رائعا أو بالأحرى كان قائدنا رائعا، متفانيا في عمله و يجيد التواصل معنا و فيما بيننا، اتمنى أن لا نكون قد أصبناه بالجنون:P ....كنت أشغل منصب المسؤولة عن الجودة، فبالإضافة إلى تقييم و تحسيين الملفات من مذكرات و دليل استعمال... كنت أشارك في التصميم و الطباعة و كذا كل ما يتعلق بالمخطط التمويل و الاستثمار في المشروع، و ذلك لتعودي على هذا النوع من الأعمال خاصة مع النوادي و من خلال المسابقات التي شاركت فيها.... و الحمد لله كان عرضنا رائعا و مثمرا، و تحصلنا على علامة ممتازة.....
في آخر االسنة، طلب منا أن نختار تخصصنا للسنة الرابعة، و المشكلة في عامنا ذاك، أنه افرج عن ذلك التخصص الذي كان أسير مخططات لفترة طويلة، إنها هندسة البرامج (Génie logiciel)، تخصص لطالما أردت أن ألتحق به، بل حقا أحببته خاصة بعد تجربتي في ذلك المشروع، فالمهمة التي أسندت لي (مسؤولة عن الجودة) هي إحدى التوجهات لهذا التخصص..... أردت حقا الالتحاق بهذا التخصص و لكن في نفس الوقت، بدأت تحليلاتي، إنه تخصص جديد، فبالتأكيد سيقومون بالتجارب علينا، قد تنجح و قد تفشل......... و لم أكن حقا مستعدة للمخاطرة في شيء أدري أنني لن أستفيد منه بقدر ما سأفيدهم، فأزحت هذا التخصص من بالي.... و بقي أمامي تخصصان، كلاهما يستهوني، أو على الأقل بعض المواد هنا و بعضها هناك..... أحب كل ما يتعلق بالشبكات و حماية الأنظمة، و أعشق الشركات و نظم المعلومات، فأيها أختار؟؟.... بعد تفكير مطول و استشارة للأصدقاء الذي يكبرونني بسنة و صلاة الاستخارة، قررت أخيرا أن ألتحق بتخصص نظم المعلومات و التكنولوجيا، على الأقل يمكنني ان ادرس ما يستهويني كمواد اختيارية في شعبة أظنها تناسبني أكثر، وكان التوجيه كذلك، و اظن أنه أفضل خيار قمت به بعد المدرسة العليا للإعلام الآلي.....
نهاية عام آخر أو بالأحرى نهاية الجحيم و الاقتراب أكثر من بر الأمان، لكن ليس بهذه السهولة، تربص آخر في انتظارنا، مختلف عما مررنا به في سنتنا الأولى، فالهدف منه هذه المرة هو التطوير و المشاركة في مشاريع الاعلام الآلي عند شركة ما.... تم إعطاؤنا مجموعة من الأوراق أو ما يعرف بالملف، كان علينا البحث و زيارة الشركات و الاستفسار إن وجدت مشاريع يمكننا العمل عليها في إطار تربص، لم أكن أعرف أين أبحث، المدينة التي أسكنها صغيرة و لا يمكن أن أجد فيها شيئا مثيرا للاهتمام.... ذات مرة قصدت Condor مع رفيقتي، لأحضر حاسوبي الذي كان عند الصيانة، سألتهم إن كانوا يملكون أي مشاريع للتطوير، فقيل لي أنهم يقومون بالصيانة فقط، أما التطوير فيجب الذهاب إلى وحدة اخرى، خرجنا من عندهم و كلنا خيبة فلم نجد عندهم أيضا.... أثناء خروجنا إلى الطريق العام، لفت انتباهنا شركة طاسيلي للطيران، و على سبيل الفضول، دخلنا نسأل عن تربص و المفاجأة حصلنا عليه في تلك اللحظة.... و قمنا به عن بعد، نقوم بالتطوير و نذهب مرة في شهر لنريهم المستجدات..... لم نحض بعطلة ذلك العام، و إن ارتحنا جسديا فإن عقولنا بقيت تبحث و تحلل و كذا تصمم في ذلك التربص....
المهم، نصيحتي لكم من السنة الثالثة: "الجحيم هو فرصة و ليس خيبة، فرصة لكسر قيود الخوف، فرصة للبحث، للسؤال، و لتطوير الذات"
#يتبع

Commentaires