حكاية عبير مع المدرسة الوطنية العليا للإعلام الآلي - الجزء 1

لو سألت أي شخص عن أحداث 11 سبتمبر، سيقول تحطم برج التجارة العالمية بفعل ارهابي شنيع، إلا طلبة المدرسة العليا للاعلام الآلي دفعة 2011، سيكون جوابهم مختلفا، إنه أول يوم لنا في المدرسة الوطنية العليا للإعلام الآلي – غريب أمر هاته الصدف –

أنا عبير إحدى طالبات هذه الدفعة، و سأروي لكم فيما يأتي، حكايتي مع هذه المدرسة، قصة محت كل ما قضيته قبلها في هذه الحياة، جعلتني أنسى الدراسة في الثانوية و المتوسطة، سرقتني من ذلك العالم الذي كان يتقاسمه عامة الناس إلى عالم أشبه ما يكون بحلم تخللته بعض الكوابيس يتشاركه مجموعة من الأشخاص بأخلاق راقية و أفكار عظيمة.... لن أكذب عليكم إن الفترة التي قضيتها في هذه المدرسة كانت أفضل ما قضيته في حياتي، تعلمت منها دروسا قيمة، تحطمت و تكسرت عدة مرات و بنيت نفسي التي أنا عليها الآن، بنيت شخصا قادرا على تجاوز التحديات و العقبات بكل ثقة،  تعثرت و سقطت ثم نهضت مجددا و نفضت الغبار عني و واصلت الطريق .... كل هذا بفضل هذه المدرسة أو لأكون أكثر دقة بفضل الناس التي شاطرتني هذه الفترة...... التقت طرقنا، أقدارنا، آلامنا و أفراحنا بطريقة ما و انتهت رحلتنا بنجاحنا معا .....

كما سبق و قلت، أول يوم لنا في هذه المدرسة كان 11 سبتمبر 2011، يوم لن أنساه أبدا، بدأ باجتماع ترحيبي ترأسه المدير السيد كوديل و مديرة الدراسات السيدة شريد و مستشار التربية السيد فرادة، حيث ألقى كل منهم كلمة و مجموعة من النصائح، بعد ذلك بدأت الدروس في المساء مباشرة ..... بين محاولة التأقلم بعيدا عن البيت و محاولة فهم هذا الميدان الجديد لأغلبنا و كذا تكوين الصداقات خاصة و أننا من مناطق مختلفة من ربوع هذا الوطن، كنت أتخبط في صمت، أحاول إقناع نفسي بأنني قوية و أستند لنفسي علي أجد السند فيها..... عندما أتذكر تلك الأيام، أضحك و أقول: "تلك الدروس كانت بمثابة اللغة الصينية، احتجت مدة من الزمن حتى تأقلمت معها" ... فمن أكثر التحديات التي واجهتها هي تغيير نظام الدراسة و اللغة، و لكنني قاتلت بكل بسالة حتى تمكنت منها، و قد أخذت مني حوالي السداسي الأول كاملا، و أظنه نفس الشيء بالنسبة لأغلب الطلبة.

أول شهرين كانا صعبين حقا، و لأقول الصراحة كان ذلك بسبب بعض الطلبة الذين كانوا كثيري الأسئلة، بدووا بكفاءات سبقية و آخرين قرروا الانسحاب و الاستسلام مبكرا، كان بمثابة أول تحد لي، أن ألتحق بقافلة الباقيين و أجبر نفسي على العمل و الاجتهاد، ففي النهاية هذه المدرسة كانت حلمي الذي أردت له أن يتحقق و قد تحقق فعلا..... لم أكن أعرف عن الحياة شيئا آن ذاك سوى أنه يجب علي أن أدرس بجد و أكون من الأوائل..... لطالما كنت من الأشخاص الذين يدرسون بشكل عرضي، لا أجدُ كثيرا، كنت أعتمد على فهمي للدروس في القسم و لا أحل الكثير من التطبيقات و لكن في تلك السنة كان يجب أن أتغير، فجعلت من المكتبة ملاذا لي و لخبيشي، كنت أذهب هناك كلما سنحت لي الفرصة و استعير كتب كثيرة في عدة مواد، أدرس في بعض الأحيان و لكن دون طريقة معينة، فقط كنت أحاول حشو دماغي بالمعلومات دون أن أرى لها هدفا واضحا، و أنا التي كنت أبحث في أهمية الأشياء قبل أن أدرسها، تحولت من طالبة إلى آلة دراسة بدون فائدة، شعرت في تلك السنة أن دماغي أغلق أبوابه و تمرد، لم يرد لي التمييز  ...... و لكن رغم كل هذه الضغوطات التي كنت أمر بها، خاصة و أنه لا يسمح بإعادة السنة الأولى و أنه لم يكن هناك استدراك، فقط الامتحانات الرسمية، كان هناك شيء يضفي الحياة إلى هذه الآلة التي أصبحت عليها، إنها الروابط مع دفعتي، أصبحنا خلال عام واحد أشبه بالعائلة أو ربما بالجسد الواحد، إذا اشتك منا أحد سمعنا شكواه، و إن تألم تألمنا معه ... كنت أحس حقا بتلك الروابط في ذلك الفوج الدي درست فيه مدة عامين، تشاطرنا خلالهما الضغوطات و الأفراح و الأحزان..... ربما أن اكثر ما كان يجذبني لهاته المدرسة هو طلبة ذلك الفوج، أروع أشخاص يمكن للمرء أن يلتقيهم.... كان فوجنا مصنفا في رتبة الخباشين على ما أعتقد، و الغريب في الأمر أن ذلك الفوج، امتزجت فيه شخصيات عدة .... شخصيات متناقضة في بعض الأحيان و متكاملة في أحيان أخرى شكلت الفوج 9 الذي أصبح في عامه الثاني الفوج 7.

و على سبيل ذكر العائلة أذكر أحد الأساتذة و هو من الأشخاص الذين أحترمهم بشكل كبير و أظن أنه حال كل الطلبة الذين يعرفونه، قال لنا يوما: "كونوا عائلة واحدة، ساعدوا بعضكم البعض"، نعم إنه أستاذنا السيد بالة، و أظنه من الهدايا القليلة و الرائعة التي ظفرنا بها في هاته المدرسة...... و ما ميز تلك السنة حقا، المشاركة، أصبحنا نشارك كل ما لدينا من دروس و تمارين، بفضل شبكة البريد الالكتروني التي وضعتها المدرسة تحت تصرفنا، و سأسرق مقولة لأحد زملائي في ذلك الفوج يقول: "أؤمن أن العلم هو شيء للمشاركة " (I believe science is something to share).

مر عامي الأول في المدرسة بدون انجازات تذكر، مثلي مثل بقية الطلبة العاديين، توسطت قائمة الناجحين لا مع الأوائل و لا مع الأواخر، و خرجت من هذه السنة بفكرة تشجعني كلما خذلتني الحياة في هاته المدرسة: "لي فاتوا قبلي ماشي  خير مني ( من سبقوني ليسوا أفضل مني)"

أعيد النظر بين الفينة و الأخرى إلى تلك الفترة و أندم أنني جعلت من نفسي آلة دراسة و حصرت إمكانياتي و أحلامي في أن أجتاز تلك السنة فقط بمعدل متوسط، نصيحتي من السنة الأولى لكم:
"مهما كانت النقطة التي تحصلتم عليها، ليست هي من يحدد مستوى ذكاءكم و ليست بضعة أرقام على أوراق من تحدد مستقبلكم، بل انتم فقط و ليس هناك أحد سواكم."
#يتبع

Commentaires